المحفل العلمي يسلط الضوء على الحلول النووية لضمان استدامة المياه

هذا العام، سلط المحفل العلمي للوكالة الضوء على الطريقة التي تساهم بها العلوم النووية والهيدرولوجيا النظيرية في النهوض بالحلول التي تتيح التصدي للتحديات العالمية في مجال المياه.

المدير العام للوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، يلقي كلمة خلال المحفل العلمي للوكالة لعام 2025. (الصورة من: دين كالما/الوكالة)

هذا العام، سلط المحفل العلمي للوكالة الضوء على الطريقة التي تساهم بها العلوم النووية والهيدرولوجيا النظيرية في النهوض بالحلول التي تتيح التصدي للتحديات العالمية في مجال المياه. واجتذبت الجلسة الافتتاحية للمحفل، وهو أبرز الفعاليات الجانبية الرئيسية في الدورة التاسعة والستين للمؤتمر العام للوكالة، مشاركين قارب عددهم 350 شخصاً، من بينهم وزراء وخبراء بارزون في مجال المياه من جميع أنحاء العالم.

وعلى الصعيد العالمي، تتعرض الموارد المائية لضغوط بسبب تغير المناخ، وتزايد عدد السكان، والتلوث. وشدد المدير العام للوكالة، رافائيل ماريانو غروسي، على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات وعلى الدور المركزي للعلوم النووية. وأضاف قائلاً: "المياه هي أحد أهم مواردنا الحيوية المشتركة. ومن خلال التقنيات النووية، يمكننا فهم هذه الموارد وإدارتها وحمايتها على نحو أفضل، وتعبئة الشراكات والموارد اللازمة لتحويل العلم إلى حلول."

وتعمل الوكالة على مكافحة تلوث المياه بوسائل تشمل مبادرتها الرئيسية الخاصة باستخدام التكنولوجيا النووية لمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية (مبادرة نيوتيك للمواد البلاستيكية)، التي تتيح تطوير تقنيات إشعاعية لإعادة تدوير المواد البلاستيكية إلى الأفضل لمنع وصولها إلى المصادر المائية. وستستضيف الفلبين المحفل الدولي الرفيع المستوى بشأن مبادرة نيوتيك للمواد البلاستيكية في يومَي 25 و26 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. وتُعدّ معالجة مياه الصرف الصحي من بين الاستخدامات الممكنة لنظام الحزم الإلكترونية المتنقل الجديد التابع للوكالة، الذي يساعد على إزالة الكائنات المجهرية وتحويل المواد الملوِّثة إلى مركبات غير ضارة.

كيف تسهم العلوم النووية في ضمان استدامة المياه؟

تسهم التقنيات النووية، مثل الهيدرولوجيا النظيرية، في ضمان استدامة المياه عن طريق تتبُّع مصادر المياه وحركتها، وتقييم نوعية المياه الجوفية وكميتها، ورصد آثار تغير المناخ على الموارد المائية. وتُستخدم التكنولوجيا النووية أيضاً لتحسين نوعية المياه عن طريق مكافحة تلوثها بتطبيق التكنولوجيا الإشعاعية، ولمعالجة مشكلة ندرة المياه من خلال تحسين تحلية المياه وتعزيز الكفاءة في استخدام الموارد المائية لأغراض الري. ومن شأن هذه التقنيات وغيرها من التقنيات النووية أن تزوِّد متخذي القرارات بالبيانات الأساسية اللازمة لمكافحة ندرة المياه، وضمان توافر المياه لأعداد السكان المتزايدة، وحماية النظم الإيكولوجية الحيوية للمياه العذبة من التلوث والتدهور. 

المحفل العلمي لعام 2025: تسخير الذرة من أجل الماء

تناولت الجلسات التقنية التي عُقدت خلال المحفل العلمي الأدوات اللازمة لتعزيز استدامة المياه في العالم - بما في ذلك البيانات والمعلومات، وتنمية القدرات، والحوكمة، والتمويل، والابتكار، فضلاً عن آثار تقلّب المناخ والتلوث على الموارد المائية. ودعا العديد من المتحدثين إلى توطيد الروابط بين البحوث والسياسات، وشددوا على أهمية التواصل الفعال في توعية متخذي القرارات والجمهور بالحاجة إلى حماية الموارد المائية العالمية والحفاظ عليها.

وأُبلغ المشاركون في المحفل بأن الشبكة العالمية لمختبرات تحليل المياه التابعة للوكالة (شبكةGloWAL)  قد بدأت بقبول الطلبات من مختبرات قائمة في جميع أنحاء العالم. وستساعد شبكة GloWAL البلدان على تتبُّع مواردها المائية وإدارتها بمزيد من الفعالية، وإنتاج البيانات المخصصة لوضع السياسات، وتشجيع التعاون الإقليمي والعالمي في إدارة الموارد المائية.

تحويل المعرفة إلى قدرة على الصمود

نظراً إلى الطابع الملحّ الذي تكتسيه التحديات العالمية في مجال المياه، لا بد من تسخير الجهود العلمية والدبلوماسية لحماية هذا المورد المشترك. هذا ما قالته آن إيزابيل إتيينفر، رئيسة المفوضية الفرنسية للطاقة الذرية والطاقات البديلة. وتدعم فرنسا البحوث المتعلقة بالحفاظ على المياه من خلال برامج استثمارية محددة تجمع بين واضعي السياسات والعلماء والقطاع الصناعي. وقالت إنه على الرغم من حجم التحدي، "تبعث العلوم دائماً على الأمل".

وأيدت سيليست ساولو، الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، هذا الرأي قائلةً: "هناك كميات هائلة من المياه في العالم لا تزال غير مدروسة وغير قابلة للقياس والإدارة، ولكن العلوم النووية، بالاقتران مع عِلم الأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، يمكن أن تساعد" على سد هذه الفجوة في البيانات. ودعت إلى توسيع نطاق أنشطة الابتكار وتقاسم البيانات والاستثمارات في مجال بناء القدرات. وقالت: "يمكننا تحويل المعرفة إلى قدرة على الصمود، وضمان نقل الأمن المائي، لا المخاطر المرتبطة بالمياه، إلى الأجيال القادمة."

وأكد غونزالو ألفونسو غوتييريز رينيل، الأمين العام لجماعة دول الأنديز، أنه لا بد من القيام بهذا النوع من الخطوات على الصعيد العالمي. وقال إنه "من الضروري تعزيز التعاون الدولي، وإعطاء الأولوية للمجالات الاستراتيجية على الصعيد العالمي. وسيسمح ذلك بإحراز التقدم في إدارة المياه إدارة متكاملة ومرنة ومستدامة."

دور الوكالة

شدد أنخيل مانويل مانيرو كامبوس، وزير التنمية الزراعية والري في بيرو، على الدور الذي تؤديه الوكالة في التصدي للتحديات العالمية المتعلقة بالمياه. وقال: "لدينا فرصة ممتازة لنثبت أن من شأن التكنولوجيا النووية المطبَّقة بطريقة سلمية ومسؤولة أن تساعد على حل بعض التحديات الرئيسية الراهنة بكفاءة."

وتعمل الوكالة على تلبية احتياجات دولها الأعضاء عن طريق بناء القدرات والخبرات التقنية والشبكات العلمية. وهي تعزز المعارف والتعاون الدولي من خلال المشاريع البحثية المنسقة والمراكز المتعاونة مع الوكالة. وناقش العديد من المتحدثين الطرائق التي تدعم بها الوكالة بلدانهم في التصدي للتحديات المرتبطة بالمياه، بدءاً بتحسين تحلية المياه والري وانتهاءً بمكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية.

وهذا العام، وقَّعت النيجر اتفاقاً مع الوكالة، مدعوماً بتمويل من البنك الدولي، لبناء مختبر وطني معني بجودة المياه وتحديث المختبرات الإقليمية في البلد بغية تعزيز إدارة الموارد المائية. وأوضح السيد مايزاما عبد الله، وزير البيئة والهيدروليكا والصرف الصحي في النيجر، أن من شأن الشراكات بين المجتمع العلمي والشركاء في مجال التنمية "تحويل التحديات المتعلقة بالمياه إلى فرص إنمائية."

وسلط السيد شان جونغده، رئيس الهيئة الصينية للطاقة الذرية، الضوء على تاريخ الصين الحافل بالتعاون مع الوكالة في مجال حماية الموارد المائية، بما يشمل الدعم الذي قدمته الوكالة لإنشاء أول مختبر للهيدرولوجيا النظيرية في الصين في عام 1990. وقال إن الصين ستواظب على العمل مع الوكالة لوضع حلول نووية من أجل ضمان استدامة الموارد المائية ومرونة النظم الإيكولوجية.

الشراكات وتعبئة الموارد

اختُتمت أعمال المحفل العلمي بمناقشة أهمية الشراكات وتعبئة الموارد في ضمان استدامة المياه. وقال المدير العام غروسي: "العلم وحده لا يكفي، فنحن بحاجة إلى موارد وشراكات من أجل إيجاد حلول نووية في المناطق التي تمس الحاجة إليها."

وشدَّدت السيدة نجاة مختار، نائبة المدير العام ورئيسة إدارة العلوم والتطبيقات النووية، على أهمية تنفيذ تلك الحلول. ودعت إلى تسخير التكنولوجيات الجديدة لسد هذه الفجوة. وناشدت قائلةً: "علينا ألا نضيع الوقت وأن نعمل معاً لاستخدام العلوم من أجل إدارة المياه بشكل أفضل."

وقالت تاتيانا مولسيان، الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، إن الإدارة المستدامة للمياه تتطلب علوماً مُحكمة وأطراً متينة للسياسات. وهي ترى أنه من خلال الجمع بين إطار اتفاقية المياه لعام 2016 والأدوات التقنية للوكالة، يمكن معالجة الترابط القائم بين المياه والأغذية والطاقة.

وقال ونستون يو، مدير ممارسات المياه في البنك الدولي، إن الاستثمارات في قطاع المياه التي تقوم بها الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص تبلغ 165 مليار دولار سنوياً على الصعيد العالمي، ولكن هناك حاجة إلى تريليونات من الدولارات. وأيَّد رأيَ كل من ماريا خيمينا دوران من بنك التنمية لأمريكا اللاتينية والكاريبي، ولينا إسكوبار رانخيل من بنك التنمية للبلدان الأمريكية، ومفاده أن من الضروري إشراك القطاع الخاص لتلبية الحاجة الهائلة للتمويل في إطار مشاريع المياه. ويساهم القطاع الخاص حالياً بنسبة 2% فقط من تمويل المياه العالمي.

وأشار يو إلى اتفاق النيجر مع الوكالة كمثال جيد على الطريقة التي يمكن بها لمصارف التنمية المتعددة الأطراف أن تجمع بين التمويل والمشاركة في السياسات مع خبرات الوكالة لمساعدة البلدان على تحسين إدارة الموارد المائية. وقال: "هناك مجال واسع أمام الوكالة للعمل مع جميع مصارف التنمية للجمع بين التكنولوجيات والتمويل."

وسيكون تمويل مشاريع المياه محط تركيز في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه لعام 2026، وفقاً لمحمد سي بي سي دياتا، وهو خبير السنغال في المؤتمر الذي أضاف أن ذلك "سيسخر العلوم وتعددية الأطراف والتعاون والابتكار" وسيتيح إقامة الروابط بين القطاعات للمساعدة على حماية أثمن مواردنا المشتركة. وللعلوم النووية دور حاسم في إقامة هذه الروابط، وستواصل الوكالة العمل مع البلدان لتعزيز قدراتها على استخدام هذه الأدوات للتصدي للتحديات الحرجة التي تواجهها في مجال المياه.