كيف تساعد التقنيات النووية والنظيرية البلدان على مكافحة تملُّح التربة

في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث تشكل ندرة المياه والتصحر تهديدات ملحة لإنتاج الأغذية، تُمثِّل استعادة خصوبة التربة المتدهورة والمتأثرة بالأملاح أولوية قصوى. وتعمل الوكالة مع إحدى شركات القطاع الخاص، هي شركة Anglo American Crop Nutrients، لتنفيذ مشروع بحثي جديد يقوم على استخدام الأسمدة المعدنية لإدارة التربة المتأثرة بالأملاح واستعادة خصوبتها.

ملوحة التربة يمكن أن تُسبِّب خسائر كبيرة في المحاصيل. (الصورة من: محمد زمان/الوكالة)

في جميع أنحاء المنطقة العربية، حيث تشكل ندرة المياه والتصحر تهديدات ملحة لإنتاج الأغذية، تُمثِّل استعادة خصوبة التربة المتدهورة والمتأثرة بالأملاح أولوية قصوى. وتعمل الوكالة مع إحدى شركات القطاع الخاص، هي شركة Anglo American Crop Nutrients، لتنفيذ مشروع بحثي جديد يقوم على استخدام الأسمدة المعدنية لإدارة التربة المتأثرة بالأملاح واستعادة خصوبتها. وتستند هذه المبادرة إلى عقود من الخبرة في مساعدة العلماء والخبراء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في بلدان مثل الأردن والإمارات العربية المتحدة وسوريا والكويت ولبنان، ومن أجل تحويل التربة المالحة القاحلة إلى أراضٍ زراعية منتجة.

ويحدث تملُّح التربة عندما تتراكم الأملاح القابلة للذوبان في الماء في التربة، مما يصعب على النباتات امتصاص الماء والمغذيات. ويعد الري بالمياه المالحة والمناخ الجاف وارتفاع منسوب مياه البحر، فضلاً عن الاستخدام المفرط للأسمدة النيتروجينية، عوامل مسببة للملوحة، مما يُشكِّل تهديداً كبيراً للأمن الغذائي. وعلى الصعيد العالمي، يعاني من زيادة الأملاح نحو عُشر الأراضي الزراعية المروية ونسبة مماثلة من الأراضي الزراعية المعتمدة على مياه الأمطار، ويمكن أن تتسبب المناطق المالحة في حدوث خسائر كبيرة في المحاصيل.

وفي منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، يتأثر نحو 45 في المائة من إجمالي الأراضي الزراعية بالملوحة واستنزاف العناصر المغذية وتآكل التربة (الفاو، 2024). وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أن نسبة قدرها 50 في المائة من جميع الأراضي الصالحة للزراعة ستتأثر بالتملُّح بحلول عام 2050 (الفاو، 2024)، ويُمثِّل ذلك نذير خطر بالغ في مجال إنتاج الأغذية على الصعيد العالمي.

land-impacted-by-salinization-1140x640.jpg

الفاو تتوقع تأثر 50 في المائة من جميع الأراضي الصالحة للزراعة بالتملُّح بحلول عام 2050 (الصورة من: محمد زمان/الوكالة)

ويعد المشروع البحثي المُنسَّق الجديد شراكة فريدة من نوعها بين القطاعين العام والخاص يديرها المركز المشترك بين الفاو والوكالة لاستخدام التقنيات النووية في الأغذية والزراعة مع شركة Anglo American Crop Nutrients. ويعمل الشريكان معاً على إيجاد حلول مستدامة، مثل الأسمدة المعدنية، لإدارة التربة المتأثرة بالأملاح واستعادة خصوبتها.

ومن بين المعادن الخاضعة للبحث، مادة البولي هالايت، وهي شكل من أشكال مياه البحر القديمة. ويحتوي المعدن الذي يبلغ عمره 260 مليون عام على مغذيات مهمة، مثل البوتاسيوم والكبريت والمغنيسيوم والكالسيوم. وسيبحث المشروع في كيفية استخدام الأسمدة المعدنية للحد من عوامل الإجهاد الملحية في هذه المحاصيل عن طريق إزاحة الأملاح وتحسين بنية التربة. (انظر شرح الأساس العلمي: كيف تُستخدم مادة البولي هالايت لتحسين التربة؟)

water-soluble_salts-in-soil-1140x640.jpg

تملُّح التربة يحدث عندما تتراكم الأملاح القابلة للذوبان في الماء في التربة، مما يصعب على النباتات امتصاص الماء والمغذيات. (الصورة من: محمد زمان/الوكالة)

ما الذي يُسبِّب تملُّح التربة؟

تحتوي التربة على الماء. ويُمثِّل تغير المناخ والممارسات الزراعية السيئة وتسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية والتغيرات في استخدام الأراضي تهديداً للتربة على مستوى العالم من خلال تزايد كمية محتوى الأملاح الذائبة في الماء. وبمجرد وصول مستويات الأملاح إلى نقطة معينة، لا تعود جذور النباتات قادرة على امتصاص الماء، مما يؤثر في نموها ويؤدي في بعض الحالات إلى فقدان النبات. وهناك مشكلة أخرى هي التربة الصودية. وتصبح التربة صودية عندما تكون تركيزات الصوديوم مرتفعة للغاية بحيث تتأثر بنية التربة نفسها، مما يضعف الروابط بين جزيئات التربة ويُسبِّب تآكلها. وتصبح التربة في بعض الأحيان صودية عندما ينجرف الملح في التربة، تاركاً وراءه الصوديوم مرتبطاً بجزيئات الطين فيحل محل المواد المفيدة مثل الكالسيوم.

التقنيات النظيرية تزيد من كفاءة استخدام المغذيات والمياه

تعمل الوكالة على بناء القدرات في البلدان الأعضاء حول العالم في مجال استعمال مجموعة واسعة من التقنيات النظيرية لزيادة كفاءة استخدام المغذيات والمياه في مواجهة ملوحة التربة المتزايدة. وتؤدي الأسمدة الزائدة التي لا تمتصها النباتات إلى زيادة ملوحة التربة، لذا ينبغي للمزارعين استخدام الكمية الدقيقة اللازمة من الأسمدة. ومن خلال قياس النيتروجين-15، وهو نظير مستقر للنيتروجين، عمل العلماء مع 500 من أصحاب المزارع الصغيرة في مالي ودرَّبوا 50 عالماً مالياً من خلال برنامج التعاون التقني لتتبُّع كفاءة استخدام الأسمدة والمياه. وتمكنوا من زيادة تثبيت النتروجين بيولوجياً من خلال التقاط النيتروجين في الغلاف الجوي (N2) والكربون (C) المخزن في التربة المتأثرة بالأملاح، مما ساعدهم على تحسين استخدام الأسمدة.

عمل الوكالة في مجال ملوحة التربة

للوكالة تاريخ طويل في مساعدة البلدان على التكيف مع التربة المتملحة. وفي عام 1978، ساعدت الوكالة على وضع ممارسات زراعية مراعية للمناخ لاستصلاح التربة المتأثرة بالأملاح، حيث حوَّلت هذه الممارسات التربة المالحة في باكستان إلى أراضٍ زراعية منتجة.

وتدعم الوكالة أيضا بلداناً مثل الأردن وسوريا ولبنان، حيث يستخدم العلماء التقنيات النووية لتطوير محاصيل تتحمل الأملاح، مما يساعد المزارعين على زراعة الأغذية في التربة المتدهورة.

وفي أعقاب مشاريع إقليمية وفرت الوكالة من خلالها التدريب لما مجموعه 60 باحثاً من 10 بلدان في مجالات إدارة التربة والمغذيات والمياه لمكافحة ملوحة التربة، نشرت الوكالة كتاباً متاحاً للجميع يُمكِّن الخبراء في عدة بلدان من زراعة المحاصيل بنجاح في ظروف ملوحة التربة، مثل الدُّخْن في لبنان، والشعير والعُصْفُر في الأردن والكويت، والبامية في سوريا، والكينوا في الإمارات العربية المتحدة. وصرح السيد نبيل بني هاني، مدير المركز الوطني للبحوث الزراعية في الأردن، قائلاً: "بفضل العمل المشترك مع الوكالة، نجح علماؤنا في تطبيق الممارسات الزراعية المراعية للمناخ والموصى بها لزراعة المحاصيل بنجاح في الظروف المالحة".

وقال محمد زمان، رئيس قسم إدارة التربة والمياه وتغذية المحاصيل في المركز المشترك بين الفاو والوكالة: "في الوقت الذي يواجه فيه العالم ضغوطاً متزايدة لإطعام أعداد متزايدة من السكان، أصبحت مسألة استعادة خصوبة الأراضي المتدهورة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ويبين عمل الوكالة أنه باستخدام الأدوات المناسبة، أي العلوم والتعاون والابتكار، يمكننا تحويل التربة المالحة والقاحلة إلى أراضٍ خصبة للمستقبل".